
أغسطس
الاحتكار جريمة اقتصادية واجتماعية بين ميزان الشرع ومصالح البشر
المقدمة: الجشع الاقتصادي في ثوب السوق الحر:
الاحتكار ليس مجرد سلوك اقتصادي يهدف لتحقيق أرباح، بل هو جريمة تمسّ جوهر استقرار المجتمعات، وتعمّق الفوارق بين الأغنياء والفقراء، وتفتح الباب أمام الفوضى الاقتصادية والاضطرابات الاجتماعية.
في حين أن الشريعة الإسلامية تحرّم الاحتكار وتصفه بالجريمة الأخلاقية والاقتصادية، نجد أن بعض النظم الاقتصادية الحديثة، خاصة الرأسمالية المتوحشة، تعتبره جزءًا من “حرية السوق” التي تمنح الشركات الكبرى سلطة التحكم في الأسعار والموارد، حتى ولو كان الثمن هو تجويع الشعوب.
ومن هنا تبرز الحاجة لفهم معنى الاحتكار، وأدلته الشرعية، وصوره القديمة والحديثة، وسبل مواجهته، حتى ندرك أنه ليس قضية اقتصادية فحسب، بل قضية إيمان وأخلاق وعدل اجتماعي.
معنى الاحتكار وأشكاله:
الاحتكار في اللغة مأخوذ من مادة “حَكَرَ”، أي حبس الشيء ومنعه عن التداول. وفي الفقه الإسلامي: هو حبس سلعة أو خدمة يحتاجها الناس في أوقات الضرورة، انتظارًا لارتفاع أسعارها، بما يضر بالمستهلكين.
أنواع الاحتكار:
الاحتكار لا يقتصر على الطعام، بل يشمل كل ما يمس حياة الناس، مثل:
- احتكار السلع الأساسية: كالقمح، الأدوية، الوقود، مواد البناء.
- احتكار الخدمات: كالكهرباء، النقل، الاتصالات.
- احتكار التكنولوجيا: مثل أنظمة التشغيل، حقوق البرمجيات، براءات الاختراع.
- احتكار المهن: كاتفاق الأطباء أو المحامين على رفع أجورهم.
التخزين المشروع والاحتكار المحرم:
لا يعتبر كل تخزين احتكارًا، بل يكون مشروعًا إذا لم يضر بالناس، أو كان هدفه الاستعداد للمواسم، أو المحافظة على الأسعار في حدود المعقول.
الأدلة الشرعية على تحريم الاحتكار:
القرآن الكريم:
لم يرد لفظ “الاحتكار” صريحًا، لكن تحريمه يدخل ضمن النصوص التي تنهى عن الظلم وأكل أموال الناس بغير حق، مثل قوله تعالى:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} النساء: 29
الأحاديث النبوية:
وردت نصوص صريحة في ذم المحتكرين، منها:
- (لا يحتكر إلا خاطئ) – رواه مسلم.
- (من احتكر طعامًا أربعين ليلة، فقد برئ من الله وبرئ الله منه) – رواه أحمد.
- (المحتكر ملعون) – رواه ابن ماجه.
- (من دخل في شيء من أسعار المسلمين ليغليه عليهم، فإن حقًّا على الله أن يُقعده بعظم من النار يوم القيامة) – رواه أحمد.
إجماع العلماء:
أجمع الفقهاء على أن الاحتكار محرم إذا أضر بالناس، لأنه ظلم صريح ومنافٍ لمقاصد الشريعة في تحقيق العدل وحماية الفقراء.
من صور الاحتكار في العصر الحديث:
الاحتكار العالمي:
- الأدوية: شركات كبرى ترفع أسعار أدوية ضرورية مثل أدوية السرطان أضعافًا مضاعفة.
- التكنولوجيا: احتكار أنظمة التشغيل والتطبيقات من قبل شركات مثل “أبل” و”مايكروسوفت”.
- الغذاء: شركات قليلة تتحكم في قرابة 80% من تجارة الحبوب العالمية.
الاحتكار المحلي