فقه اللٌقطة
9

أغسطس

اللُقَطة في الإسلام : فقه رفيع لحماية المال واحترام الحقوق

في عالمٍ تتسارع فيه الفوضى وتضيع فيه الحقوق، يبقى الإسلام منارة هدى تحفظ النفوس والأموال، وتربي الفرد على الأمانة والوفاء. ومن أبرز مظاهر هذه العناية: فقه اللقطة، أي المال الضائع عن صاحبه، وما ينبغي للمسلم فعله حين يجد مالًا أو شيئًا مفقودًا.

ما هي اللقطة؟
اللقطة لغةً: الشيء المأخوذ من الأرض، وشرعًا: مال أو متاع يضيع عن مالكه ويُعثر عليه من قبل شخص آخر.
وقد جاء الإسلام بتشريعات دقيقة تحفظ المال وتحميه من الضياع، وتضبط العلاقة بين الواجد وصاحب المال على أساس من الأمانة والعدل.

حالات اللقطة في الفقه الإسلامي
عند النظر في المال الملتقط، نجد أن الشريعة فرّقت في أحكامه بحسب طبيعته وقيمته، ويمكن تلخيص الحالات في ثلاث:

1- اللقطة التي لا تتبعها همة الناس:
كالرغيف، العصا، الحبل، الثمرة…
هذه الأشياء لا يُعتنى بها عادة، ولذا يجوز لمن يجدها أن يأخذها وينتفع بها دون تعريف، استنادًا لحديث جابر: “رخص رسول الله ﷺ في العصا والسوط والحبل يلتقطه الرجل) [أبو  داود]

2- اللقطة التي تمتنع بنفسها:
كالإبل والخيل والطيور والفهود…
هذه الحيوانات لها مناعة طبيعية ضد الهلاك، ولذا يحرم أخذها، ويُترك الأمر لصاحبها حتى يعثر عليها.
قال النبي ﷺ عن ضالة الإبل: “مالك ولها؟! معها سقاؤها وحذاؤها، ترد الماء وتأكل الشجر حتى يجدها ربها) [متفق عليه]

3- للقطة من سائر الأموال:
كالنقود، الأمتعة، الغنم، الفاكهة…
يجوز أخذها بشرط الأمانة والقدرة على تعريفها، وتنقسم هذه بدورها إلى ثلاثة أنواع:
– الحيوان المأكول
– ما يخشى فساده
– النقود والمقتنيات

كيف يُعرّف الواجد اللقطة؟
قال النبي صلى الله عليه وسلم: (اعرف وكاءها وعفاصها، ثم عرفها سنة( [متفق عليه]
– الوكاء: هو الرباط الذي تُغلق به المحفظة أو الوعاء.
– العفاص: هو الوعاء نفسه.. كيس أو صندوق

شروط الالتقاط الصحيح:
1- الأمانة والقدرة على التعريف.

2- ضبط أوصاف المال.

3- التعريف لمدة سنة.

4- رد المال لمن يصفه بدقة.

5- عدم التصرف فيه إلا بعد مرور عام.

خلاصة فقهية:
من يأخذ مالًا ضائعًا دون وجه حق، أو يتصرف فيه دون التعريف المطلوب، فهو في حكم الغاصب. أما من التزم بضوابط الشرع، فله أن ينتفع به بعد حولٍ من التعريف.
قال النبي ﷺ: “فإن جاء طالبها يوماً من الدهر، فادفعها إليه”.

ختامًا:
فقه اللقطة ليس مجرد أحكام تفصيلية، بل هو نموذج رفيع من احترام المال، وغرس القيم، وتأكيد روح التعاون والتكافل.
في اللقطة، يتجلى الإسلام في صورته الراقية: حماية للحقوق، وتشجيعًا على الأمانة، ودعوة لليقظة الأخلاقية في سلوك الفرد المسلم.
نسأل الله أن يجعلنا من الحافظين للأمانات، المتحلّين بمكارم الإسلام، وأن يرزقنا الثبات على الحق حتى نلقاه.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

RELATED

Posts