الحكمة-من-النهي-عن-القبض
9

أغسطس

الحكمة من النهي عن بيع السلع قبل قبضها

الشريعة الإسلامية نظام متكامل ينظم حياة الناس بما يحقق مصالحهم الدنيوية والأخروية، ومن المجالات التي أولتها الشريعة عناية فائقة: المعاملات المالية، والتي تهدف إلى بناء سوق عادل، يراعي التوازن بين الأطراف، ويمنع الاستغلال، ويعزز الدورة الاقتصادية. ومن أبرز تشريعات الشريعة في هذا الباب: النهي عن بيع السلع قبل قبضها.

من اشترى سلعة، مُنع من بيعها حتى يخرجها من مكان بائعها الأول؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم لحكيم بن حزام:  إِذَا اشْتَرَيْتَ مَبِيعاً فَلا تَبِعْهُ حَتَّى تَقْبِضَهُ  رواه أحمد (15316)، والنسائي (4613)، وصححه الألباني في “صحيح الجامع” برقم:(342).

وأخرج الدارقطني وأبو داود (3499) عن زيد بن ثابت : ” أن النبي صلى الله عليه نهى أن تباع السلع حيث تبتاع حتى يحوزها التجار إلى رحالهم” والحديث حسنه الألباني في “صحيح أبي داود”.

وجاء في الحديث الصحيح عن ابن عمر رضي الله عنه أن النبي ﷺ قال:

“من ابتاع طعامًا فلا يبيعه حتى يستوفيه”

[رواه البخاري: 2136].

وقد توسّع العلماء في فهم هذا الحديث، وقرروا أن العلة ليست قاصرة على الطعام، وإنما تنطبق على كل السلع، لأن العبرة ليست بنوع المبيع، وإنما بما ينتج عن بيعه قبل القبض من مفاسد اقتصادية، وصور غرر واحتيال ومخاطر متوقعة.

قبض السلع تربية عملية على نبذ الصورية

إن منع البيع قبل القبض هو وسيلة تربوية لغرس مبدأ الواقعية في التعامل المالي، والبعد عن المعاملات الصورية أو الورقية التي لا تتضمن حركة حقيقية للسلع، وهو أمر يُعد في غاية الخطورة على النظام الاقتصادي.

🧩 الحِكم والمقاصد من النهي عن بيع السلع قبل قبضها

  • حماية السوق من المضاربات الوهمية والتضخم، ففي الأسواق الحديثة، تؤدي المضاربات على السلع غير المقبوضة إلى ارتفاعات غير مبررة في الأسعار، ونشوء ما يُعرف بـ “فقاعات الأسعار”.

ومن خلال منع البيع قبل القبض، فإن الشريعة تسعى إلى منع نشوء طلب وهمي، لا يستند إلى حاجة حقيقية، وإنما إلى رغبة في الكسب السريع على حساب استقرار السوق.

  • تحفيز تداول السلع وتحريك السوق، فبوجود القبض كشرط للبيع، تتحرك السلع ماديًا من مكان إلى آخر، وهذا يولّد اطمئنانًا لدى المتعاملين بوفرة السلع، ويمنع ممارسات الاحتكار، فالمستهلك حين يرى السلع تتحرك، يعرف أنها موجودة، فيقل القلق، وتستقر الأسعار، ويتوازن العرض والطلب.
  • تحقيق مصلحة عامة تتجاوز أطراف العقد، فعندما يكون القبض شرط البيع؛ فلن يستفيد فقط البائع والمشتري، بل يستفيد عدد كبير من الأطراف:
  • العامل الذي ينقل البضاعة.
  • شركة النقل التي تُؤجر.
  • المستودعات التي تُستخدم.
  • الموزعون والتجار الذين تتاح لهم السلع.

وهذا يؤدي إلى دورة اقتصادية واقعية، تُغني الجميع بدلًا من أن تكون الفوائد حكرًا على فئة المضاربين.

  • الحد من العقود الصورية والغرر، لأن البيع قبل القبض يُسهّل ظهور معاملات وهمية، لا يُقصد منها التجارة الحقيقية، وإنما تدوير المال للحصول على أرباح من فرق السعر، وهو ما حرّمته الشريعة تحت مسميات: “الغرر”، و”الربا المغلّف”، و”البيع الصوري”.

تأمل مثلاً ما يحدث في البورصات وسوق العقود الآجلة في الأسواق العالمية، ستلاحظ انتشار عمليات البيع على المكشوف (Short Selling) والبيع بالعقود الآجلة (Futures)، دون وجود حقيقي للسلع.

هذه الصور تؤدي إلى زعزعة استقرار السوق، وخلق أوهام بوجود وفرة أو ندرة، بينما الواقع غير ذلك.

الفقه الإسلامي يرفض هذه المعاملات، لأنها تقوم على البيع قبل التملك والقبض، وفيها مضاربة مفرطة ومخاطر جسيمة.

الخاتمة: قبض السلع قبل بيعها رؤية شرعية متقدمة تحقق مصلحة الناس.

إن النهي عن بيع السلع قبل قبضها ليس تشددًا، بل هو رؤية متقدمة في تنظيم السوق وحماية الاقتصاد، تكشف عن عمق الشريعة في تنظيم المصالح، وحرصها على إشاعة العدالة وتكافؤ الفرص، ومنع الاستغلال.

ومتى ما التزم المسلمون بهذه القواعد في تعاملاتهم، فإنهم يحققون:

.عدالة اقتصادية.

.استقرارًا في الأسواق.

.توسيع دائرة المنفعة لتشمل كافة شرائح المجتمع.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

RELATED

Posts